القضية العادلة تحتاج إلى من يحملها ويدافع عنها بالكلمة والموقف، خاصة إذا كانت بحجم عدالة القضية الفلسطينية، والإعلام لا سيما المقاوم منه هو خير من يحملها ويدافع عنها بالكلمة الصادقة والموقف القوي. فالإعلام المقاوم هو المكمل لدور المناضل في المعركة، ودور الكلمة المقاومة لا يقل أهمية عن دور الرصاصة الموجّهة لصدر العدو، ودور الصورة المعبرّة لا تقل تأثيراً عن دور الصاروخ الموّجه لعمق العدو. فكلاهما – الإعلام والسلاح المقاومين – رافدان لمشروع التحرير ونهج المقاومة وطريق الصمود، ولذلك نحن كشعب تحت الاحتلال بحاجة إلى الإعلام المقاوم حاجتنا إلى السلاح المقاوم.

فإذا كان الإعلام الصهيوني ومن سار على دربه يريد نشر ثقافة المساومة والتطبيع مع الكيان الصهيوني، فإن الإعلام المقاوم يسعى إلى نشر ثقافة المقاومة ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، فالمقاومة موجودة في العقل قبل اليد، وفي الفكر قبل البندقية، وفي الروح قبل الصاروخ، فتنتج مقاومة ضد الاحتلال والعدوان، وممانعة ضد الخضوع والاستسلام، ووعيا ضد الجهل والتخلف، وأصالة ضد التبعية والميوعة. وثقافة المقاومة تقف حائلاً دون كسر الحاجز النفسي الذي تم اختراقه منذ كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة الذي أُريد منه إضعاف المناعة النفسية ليتم قبول الكيان الصهيوني نفسياً تمهيداً لقبوله واقعياً مروراً بمحطات الاعتراف به، ثم الاعجاب به، والتعاطف معه، وتبني روايته، وصولاً إلى تأييد مواقفه. وثقافة المقاومة هي التي تمنع تحويل الصراع من صراع وجود على الأرض الفلسطينية التي لا تقبل القسمة على شعبين إلى خلاف على الحدود يُمكن حله بالمفاوضات، وثقافة المقاومة هي التي تحافظ على هوية الصراع بأبعاده الوطنية والقومية والدينية والحضارية في إطار مشروعين يمثلان ذروة الحق والخير وذروة الباطل والشر .

وإذا كان الإعلام الصهيوني ومن سار على دربه يريد صرف الأنظار عن القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة إلى غيرها من القضايا، وصرف الأنظار عن عدو الأمة المركزي إلى خلق أعداء وهميين من داخلها، فإن الإعلام المقاوم يؤكد على مركزية القضية الفلسطينية للشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية باعتبارها أم القضايا التي ترتبط بوحدتهم ونهضتهم واستقلالهم الحقيقي . ويؤكد على مركزية العدو الصهيوني الأول للفلسطينيين والعرب والمسلمين، والتصدي لمحاولات اختراع أعداء جدد من داخلها لإشغالها بنفسها ولإضعاف قوتها وذهاب ريحها. ويؤكد على هوية القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني من الاحتلال الصهيوني لها عمق قومي عربي وحضاري إسلامي مهما اختلفت تفاصيلها باختلاف تواجد الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة وخارجها، ومهما اختلفت تشعباتها وعناوينها المختلفة ك القدس والأسرى والاستيطان واللاجئين والشتات ...

وإذا كان الإعلام الصهيوني ومن سار على دربه يريد نشر الرواية الإسرائيلية الصهيونية وتكريس مفاهيمه ومصطلحاته للصراع، فإن الإعلام المقاوم ينشر ويكرّس الرواية الفلسطينية والقناعات العربية والرؤية الإسلامية للصراع، ومن هذه المفاهيم : السلام العادل والشامل وكأنه يوجد سلام بالتعايش مع الاحتلال والكيان، وسلام الشجعان الذي لا يمكن وجوده في ظل اختلال موازين القوى . ومن هذه المصطلحات التي ينبغي الحذر منها مصطلح ( إسرائيل ) بدل الكيان الصهيوني، و( الطرف الآخر ) أو ( الجانب الإسرائيلي ) بدل العدو الصهيوني أو العدو الإسرائيلي، و ( الشرق الأوسط ) بدل الوطن العربي، و( انتحاري وقتيل ) بدل من استشهادي وشهيد، و ( جناحي الوطن ) بدل فلسطين المحتلة ... وهذا ينطبق على المصطلحات التي استخدمت لتعميق الانقسام الفلسطيني وترسيخ الفُرقة والتشرذم في الساحة الفلسطينية وتعزيز النعرات الحزبية والفئوية والمناطقية ... التي ينبغي استبدالها بخطاب إعلامي وطني وحدوي يُجمّع ولا يُشتت، يوُّحد ولا يُفرّق .

وإذا كان الإعلام الصهيوني ومن سار على دربه يضع المقاومة وشعبها وحلفائها في مرتبة أقل من البشر بنزع الصفة الإنسانية عنهم عن طريق شيطنتهم واعتبارهم مجرد أرقام لا أسماء لها، فإن إعلام المقاومة يخرج من دائرة الأرقام المجردة والأعداد الميتة والإحصاءات الجامدة إلى الدائرة الإنسانية الحية المفعمة بالروح الإنسانية والمتجذرة في العمق الإنساني لتؤكد أن وراء كل رقم إنسان له اسم، وذات، ووراء كل عدد قصة إنسانية لها كيان ومعنى، ووراء كل إحصاء ضحايا وأبطال لهم روايتهم الخاصة للأحداث ... وبذلك فإن الإعلام المقاوم يبرز الجانب الإنساني في كفاح الشعب الفلسطيني بذكر القصص الإنسانية الحية والمؤثرة التي قد تختفي في زحمة الأحداث الساخنة وتسارع الأخبار العاجلة. منها قصص بطولة وفداء، ومنها قصص تضحية ومعاناة، ومنها قصص انجازات ونجاح فردية وجماعية إيجابية، وبعضها قصص واخفاقات وخيبات الأمل أبطالها من البؤساء الذين ضاعت أحلامهم وتلاشت آمالهم وتحطمت طموحاتهم على صخرة الاحتلال والحصار والانقسام.

وإذا كان الإعلام الصهيوني ومن سار على دربه يبالغون في وصف قوة الكيان الصهيوني وضعف العرب والفلسطينيين في إطار حربه النفسية ضدنا فيصف جيشه بأنه لا يُقهر ولا يُهزم وأمنه بأنه يعرف كل شيء ويصل لأي هدف، ولجبهته الداخلية بأنها قوية ومتماسكة ... فإن الإعلام المقاوم يبرز ضعف الكيان الصهيوني وقوة الشعب الفلسطيني دون مبالغة وتهويل أو تصغير وتهوين. فالجيش الإسرائيلي يُمكن قهره وهزيمته وقد هُزم بالفعل في جولات سابقة مع المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، والأمن الاسرائيلي يُمكن تضليله ولا يستطيع معرفة كل شيء والوصول لأي هدف. والجبهة الداخلية للمستوطنين اليهود تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى كما وصفهم القرآن الكريم، وكيانهم المصطنع أوهن من بيت العنكبوت كما وصفهم السيد حسن نصر الله، والكيان الصهيوني يسير نحو الزوال بنص القرآن الكريم وسنن التاريخ ومعطيات الواقع. أما عناصر قوة الشعب الفلسطيني فتترسخ في وجوده على الأرض الفلسطينية داخل وطنه أو خارجه متمسكاً بحقوقه الوطنية في تحرير بلاده والعودة إليها، وقدرته المتتالية لتفجير الثورات والانتفاضات، ومثابرته على انتزاع حقوقه وإصراره على الصمود والمقاومة ... وغيرها من عناصر القوة التي من المفيد التركيز عليها في الإعلام المقاوم.

وإذا كان الإعلام الصهيوني ومن سار على دربه يريد أن يحبط همم المقاومين، ويضعف عزائم المناضلين، وينهك حماس ة المجاهدين، ويحطم الروح الوطنية للشعب الصامد خاصة في أوقات الأزمات والحروب، فإن الإعلام المقاوم يسعى إلى أن يحرّك الهمم ويقوّي العزائم ويشحذ الحماسة ويستنهض الروح الوطنية لا سيما في أوقات الأزمات والحروب، فنعمل على تقوية الأمل بالنصر وقرب الخلاص ويتصدى لمن ينشر روح اليأس والهزيمة والاستسلام دون أن يمس ذلك بجوهر الحقائق وقيم المصداقية والموضوعية والأمانة الصحفية التي ينبغي للإعلام المقاوم أن يكون من أكثر المحافظين عليها .

وإذا كان الإعلام الصهيوني ومن سار على دربه يستغلون بعض أخطاء المقاومة لمهاجمة مبدأ المقاومة كحق للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، ويستثمرون معاناة الشعب الفلسطيني في غزة للبرهنة على عبثية خيار المقاومة، فإن الإعلام المقاوم لا ينبغي أن ينجر في الاتجاه المعاكس الذي لا يعترف بأخطاء المقاومة باعتبارها سلوك انساني يحتمل الصواب والخطأ، ولا يعترف بمعاناة الناس كحقيقة موجودة سببها الاحتلال والحصار والانقسام. بل يجب أن يعترف بالأخطاء ويصححها، وبالانحرافات فيصوبها، وبالمعاناة فيعمل على تخفيفها، بل ويتبنى هموم الناس فيحس بألآمهم وآمالهم، ويدافع عن حقوقهم ومظالمهم، ويحارب الفساد أينما وجد، بل ويعمل على كشفه وفضحه، ويتصدى للاستبداد بكل صوره وأشكاله، ويدافع عن قضايا الحرية وحقوق الانسان والفئات المهمّشة والضعيفة في المجتمع. جانب التأكيد على حق الشعوب المُحتلة والمُضطهدة في المقاومة للتخلّص من الاحتلال والاضطهاد.    

وأخيراً فإن حاجتنا للإعلام المقاوم تعني حاجتنا الى نشر ثقافة المقاومة، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، وتكريس الرواية والمفاهيم والمصطلحات الفلسطينية، والتركيز على البُعد والقصص الانسانية للصراع المختفية وراء الأحداث والأخبار، والموازنة بين صورة البطل والضحية وبين عنفوان النضال الوطني ورقة مشاعر الحزن والألم، وإبراز عناصر ضعف الكيان الصهيوني وقوة الشعب الفلسطيني دون تهويل أو تهوين، والتأكيد على الدور التحريضي للمقاومة واستنهاض الروح الوطنية للنضال والتعبئة ضد الاحتلال، والمحافظة على الهوية الوطنية الفلسطينية والقومية العربية والدينية الإسلامية للعشب الفلسطيني وكفاحه الوطني، وتبني هموم الناس والدفاع عن أحلامهم. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد