الحمار الذي نتحدث عنه اليوم ليس «حمار الحكيم» للأديب توفيق الحكيم أو «الحمار الوطني» للمناضل الراحل خالد الحسن، إنما حمار خاص بجدار الفصل العنصري، لأنه أصبح ضرورة لا بد منها لاجتياز سلسلة العقبات التعجيزية التي تضعها سلطات الاحتلال أمام المزارعين المتمسكين بما تبقى من أرضهم خلف جدار الفصل العنصري.
قصة الحمار هذه تبدأ من بوابة قرية فرعون المقامة على جدار الفصل العنصري الذي دمّر مساحات زراعية واسعة من أراضي القرية والقرى المجاورة في محافظة طولكرم، وأبقى للمزارعين مساحات محدودة من مزارعهم ما زالوا متشبثين بها على الرغم من مختلف الإجراءات العدوانية.
صديقي «أبو رشيد» وعائلته نكبوا بجدار الفصل العنصري الذي التهم مساحات واسعة من أراضيهم  التي ورثوها عن أجدادهم.. ومع بدء إقامة الجدار العنصري بدأت المتاعب والعراقيل توضع أمام المزارعين لمنعهم من الوصول إلى أراضيهم. 
في البداية وعلى طريقة تصعيد الأمور، بسياسة الخطوة خطوة حتى المنع النهائي أو الاستملاك،  أعلنت سلطات الاحتلال في بداية إقامتها الجدار العنصري أنه لن يؤثر على المزارعين.. وأنها ستتيح لهم حرية الوصول إلى أراضيهم وفلاحتها، وذلك لتلافي الضغوط الدولية.. ولكن بعد ذلك بدأت التعقيدات والإجراءات العدوانية تلاحق المزارعين، فقد اشترطت سلطات الاحتلال الحصول على تصريح زراعي من إدارة الاحتلال المدنية، ثم وضعت جملة أخرى من الشروط للحصول على التصريح الزراعي، ومنها، أن يمتلك صاحب الأرض أوراق ملكية مثبتة في دائرة الأراضي التابعة لسلطات الاحتلال على اعتبار أن معظم هذه الأراضي تقع في مناطق (ج) التي تخضع لسيطرة الاحتلال الأمنية والمدنية حسب اتفاقيات أوسلو، وألا يكون محكوماً بقضايا أمنية حسب التصنيف الإسرائيلي، وأن تكون فترة المكوث في هذه المناطق التي أطلقت عليها سلطات الاحتلال اسم (مناطق التماس) من الساعة الخامسة فجراً وحتى السابعة مساء، وأن يمنع دخول الورثة إلاّ إذا أحضروا حصر إرث وإثبات أنهم من الدرجة الأولى في القرابة للمتوفى (ابن، أخ، بنت..)، ثم أشارت إلى أنها لا تعترف بعقود الإيجار الزراعية أو التضمين وأنها لا تعطي أذونات لعمال يساعدون أصحاب الأراضي، دون الاكتراث إلى عمر صاحب الأرض حتى لو كان مسناً يحتاج إلى مساعدة.
على الرغم من هذه الشروط التعجيزية، فإن المزارعين أصروا على تجاوز هذه العقبات العنصرية للمحافظة بالحد الأدنى على أراضيهم، والإبقاء على الأشجار المثمرة حيةً وإن ضعف إنتاجها إلى الحد الأدنى بسبب عدم القدرة على مواصلة العناية بها من حراثة وتسميد وغيره.
على بوابة فرعون وأمام إصرار الأهالي على الوصول إلى أراضيهم، وضعت قوات الاحتلال شرطاً جديداً غير مدرج في الأوامر والشروط العسكرية السابقة وهو: «على كل فرد يريد الوصول إلى أرضه أن يكون معه حمار».
استغرب المزارعون من هذا الشرط.. ولكن أمام إصرار جنود الاحتلال على البوابة اضطروا لإحضار حمار.. ولكنهم فوجئوا بأنه يجب على كل فرد يدخل أرضه أن يكون لديه حمار، أي أن العائلة المكونة من ثلاثة أفراد وتريد الوصول إلى مزرعتها يجب أن تحضر 3 حمير.
بمعنى آخر، فإن قرية صغيرة يسكنها 1000 مزارع، بحاجة إلى 1000 حمار.. وإذا ما نظرنا إلى العدد الكلي للمزارعين على امتداد جدار الفصل العنصري في حال تطبيق هذا القرار على كل البوابات، فإننا بحاجة إلى عشرات آلاف الحمير...!!!!
أمام هذا الشرط التعجيزي اضطر مزارعون كثر إلى التوقف مرغمين عن الوصول إلى أراضيهم...
مشيرين إلى أنه لو اضطرت كل عائلة إلى شراء 4 أو 5 حمير، فإن تكلفة تربيتها ربما تزيد على المردود المالي للحقل الزراعي أو ما تبقى لهم من أرض.
إذن هي قصة حمار من نوع آخر.. حمار احتلالي عنصري.. ربما لأن من يقرر هذه الشروط لا يرتقي حتى لعقل الحمار...
سياسة الاستيطان والعزل والمصادرة كلها، قامت على سياسة الخطوة خطوة.. حتى وجدنا أنفسنا مجرد كانتونات معزولة محاصرة.. والمثال السابق جرسٌ يقرع لعلّ الكثيرين يستيقظون من سباتهم وأحلامهم!!!

abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد